بعدما استعرضنا معكم كلا من نظامى الدفع الأمامى والخلفى ، بمميزات ومشكلات كل منهما ، حان الوقت للتطرق إلى أكثر أنظمة الدفع تعقيداً وأكثرهم إثارة للجدل ، فعلى سبيل المثال يحمل كل من أنظمة الدفع السابقة بعض الإغراءات مقابل بعض التضحيات التى ترجح الكفة لدى السائقين لأى منهما حسب الشخصية القيادية وطبيعة الطرق التى عادة ما يستخدمها السائق .
أما نظام الدفع الكلى فهو نظام ينفرد بالتشعب والغموض وكثرة الاستخدامات والفوائد وكذلك كثرة المشكلات والتى يمكن التغلب عليها بسهولة أو لا ، مما يجعله كابوس محقق لمن يريد التأكد من تناسبه مع متطلباته ، لذا سأحاول قدر الإمكان أن ابسط أمامكم كافة الحقائق والخواص المتعلقة بهذا النظام بأنواعه المتعددة .
البداية
على عكس المشاع بحداثة هذا النظام ، يرجع تاريخ أنظمة الدفع الرباعى إلى السنوات الأولى لعالم السيارات ، وتحديداً عام 1893 حيث ابتكر " براماه جوزيف ديبلوك " – مخترع العجلات المجنزرة البريطانى الجنسية – نظام دفع رباعى لقاطرة أثقال جديدة فى محاولة لتحسين تماسكها اثر الانزلاق المستمر على الأسطح الطينية نتيجة قطرها لحمولات كبيرة .
واستمر التطوير على هذا النظام جارياً بعد أن اثبت نجاحاً ملحوظاً ، ليتبع انطلاقة قاطرة " براماه " تجربة جديدة بأول سيارة كهربائية فى التاريخ التى صممها وبناها " فريدناند بورشه " لصالح إحدى الشركات الأوروبية عام 1899 ، حيث استعان المهندس المبدع " بورشه " بأربعة محركات كهربائية كل على عجلة مستقلة لتنطلق السيارة بأداء مذهل فى ذلك الوقت مكنها من تحطيم أرقام قياسية عدة لتثبت للمرة الثانية جدوى نظام الدفع الرباعى .
ومن بعد محاولة " بورشه " وما خلفته من دعاية مدوية ، خرجت أولى سيارات الركاب العاملة بمحرك احتراق داخلى ومزودة بنظام دفع رباعى عام 1903 ، وهى سيارة سباقات من شركة سبايكر تسمى " 60 H.P " فى إشارة إلى قوة محركها سداسى الاسطوانات الرياضى ذو الـ 60 حصاناً .
واستمرت رحلة نظام الدفع الرباعى من ذلك الوقت مقتحماً السوق الأمريكية ومتسللاً إلى المعدات العسكرية أثناء الحرب العالمية الأولى بعد أن وجد قادة الحرب انه أكثر الأنظمة فعالية فى ميادين المعركة ، ومن بعد الحرب بدأت مرحلة التطور لنظام الدفع الرباعى تبلغ منحنى جديد اثر بداية صراع العمالقة الكبار على تطوير النظام واستغلاله فى السيارات بشكل مكثف .
فقبيل الحرب العالمية الثانية أمرت الحكومة الألمانية شركات السيارات الوطنية لديها بتصنيع سيارة عسكرية خفيفة ذات دفع رباعى ، مما نتج عنه سيارتين تعتبرا من بذور عالم الدفع الرباعى الحديث وهما مرسيدس – بنز G5 ، و BMW 325 واللتان تمتعتا ليس فقط بدفع رباعى دائم بل أيضاً بمنظومة توجيه رباعى لترقيه قدراتهم على المناورة فى ميدان المعركة.
وتلت تلك المحاولة ظهور أول سيارة دفع رباعى تجاريه من إنتاج شركة جيب عام 1945، ومن ثم تبعتها لاندروفر فى السبعينيات بالجيل الأول من سيارة رانج روفر والتى تمتعت وقتها بقدرات استثنائية على السير فى الطرق الوعرة ، واستمرت سيارات الدفع الرباعى تتوالى بالتركيبة الرئيسية لهذا النظام والتى توزع القوة بشكل متساوى بين محورى العجلات ، حتى جاءت سيارة جينسين FF ( شركة بريطانية مفلسة ) وأعادت تطوير النظام ليعتمد نسب مختلفة من القوة على محاور العجلات عن طريق تعديل مجموعات التروس التفاضلية للمحاور وتغيير نسب الدوران ليصل إلى العجلات الأمامية 40% من القوة مقابل 60% من القوة إلى الخلف .
وبهذا التعديل أطلقت جينسين العنان لشركات السيارات للإبداع ، حيث اعتمدت سوبارو نظام دفع رباعى يمكن تفعيله أو إيقافه فى سيارتها ليونى عام 1972 ، تبعه عدة تعديلات على النظام من قبل شركات السيارات حتى وصل أسطورة عالم الدفع الرباعى " كواترو " ، وهو النظام الذى أطلقته أودى عام 1980 فى سيارتها التى تحمل نفس الاسم واثبت تفوق كبير على كافة الأنظمة المتوفرة فى ذلك الوقت مدعوماً بما حققته أودى من انتصارات فى رياضة الرالى ، وهو النظام الذى يعد حجر الأساس فى أنظمة الدفع الرباعى المتوفرة فى عالم السيارات حتى اليوم.
وجهان لعملة واحدة
لكى تتعرف على الفرق بين مسميات الدفع الرباعى وما معنى كل منهم ،عليك أولا أن تتعرف بشكل عام على طريقة عمل نظام الدفع الرباعى .
فعلى عكس أنظمة الدفع الثنائية يعمل نظام الدفع الرباعى على إرسال القوة لجهتين مختلفين أيا كان موضع تثبيت المحرك ، سواء كان فى الأمام أو المنتصف أو حتى الخلف ، فعلى سبيل المثال إن كان المحرك مثبت فى الأمام فالقوة تنتقل إلى ناقل الحركة ومنه عن طريق عمود نقل الحركة إلى منظومة الدفع الخلفية ، وفى نفس الوقت يعمل ناقل الحركة على تزويد العجلات الأمامية بالقوة .
ويختلف تركيب تلك المنظومة ومكوناتها بحسب النظام المعتمد ، ففى حالة نظام الدفع الرباعى ، وهو المسمى الذى يطلق عادة على أنظمة الدفع الرباعى الجزئية التى يمكن تفعيلها أو إيقافها بتحكم من السائق ، تعمل السيارة بكامل عجلاتها فقط وقت الحاجة ، أما أثناء القيادة العادية تستعين السيارة فقط بمحور واحد للعجلات ، وليتحقق ذلك ، يتم تزويد السيارة بمنظومة دفع للمحور الخلفى لا تكاد تختلف عن منظومة الدفع الخلفية العادية ، مع استخدام عمود نقل حركة آخر للمحور الأمامى يتصل هو الآخر بترس تفاضلى للعجلات الأمامية ، وعن طريق ذراع تعشيق داخل المقصورة أو أزرار للتحكم الالكترونى يمكن للسائق فصل وتشغيل الدفع الأمامى بجانب الخلفى للاستفادة من كامل قدرات السيارة .
أما النظام التالى والمسمى بنظام الدفع الكلى ، فهو نظام دفع رباعى يعمل طوال الوقت دون توفر إمكانية التحول للدفع الثنائى ، وهو نظام يستخدم فى عدة فئات من السيارات ، بداية من سيارات الدفع الرباعى المتوسطة والصغيرة ومروراً بسيارات السيدان وحتى الوصول إلى السيارات فائقة الأداء ، ويعتمد هذا النظام على إيصال القوة عن طريق منظومة تشبه إلى حد كبير منظومة الدفع الأمامى العادية ، حيث تعمل اذرع توصيل للحركة منبثقة من ناقل الحركة على توصيل القوة إلى العجلات الأمامية ، إضافة إلى المنظومة المعتادة للدفع الخلفى .
وعلى الرغم من ثبوت القواعد والمكونات الأساسية لأنظمة الدفع الرباعية والكلية ، إلا أن كل شركة سيارات تعتمد على منظومة خاصة بها تختلف باختلاف الاحتياجات الخاصة بالسيارة العاملة بالنظام وكذلك حسب ما لدى الشركة من فكر هندسى خاص ، إلا أن كافة الأنظمة تعمل فى محيط التصميم الذى تم توضيحه .
وتشترك كافة أنظمة الدفع الخلفية والرباعية بجزء جوهرى يعمل على إدارة حركة العجلات على المحاور الخلفية والأمامية فى بعض الأحيان ، وهو الترس التفاضلى الذى ينقل الحركة الدائرية لعمود نقل الحركة الواصل بين صندوق السرعات فى الأمام والمحور الخلفى ، ويحولها من الاتجاه الطولى للاتجاه العرضى لتصل إلى العجلات على جانبى السيارة ، وهو جزء هام من منظومة دفع السيارة سنتناوله تفصيلاً فى موضوع آخر .
الدفع الرباعى ( 4WD / 4X4 )
يعمل نظام الدفع الرباعى على تسخير كامل قوى المحرك بين يديك لعبور أصعب الحواجز واجتياز الأسطح الوعرة بنجاح ، فكلما استطاعت سيارتك أن تلتحم بمزيد من الطريق زادت فرصتك فى إيجاد الثبات والتماسك الكافى لاجتياز العوائق كالرمال والوحل والحصى ، وكذلك بقدرة سيارتك على دفع كافة العجلات أصبح من السهل أن تتسلق الصخور وما شابه بفضل دفع اى من المحورين المرتكز على سطح أكثر استواء لباقى السيارة .
ولكن بسبب استنفاذ هذا النظام لكامل قوى المحرك لدفع العجلات الأربعة ، يستهلك نظام الدفع الرباعى معدلات مرتفعة من الوقود ويحد من سرعة السيارة اثر توزيع القوة على العجلات الأربعة بدلاً من محور واحد يستفاد من كامل قوة المحرك ، لذا ظهرت فكرة التعشيق الجزئى التى تتيح للسائق تفعيل النظام فقط فى حالة الحاجة إليه ، والاستغناء عنه أثناء القيادة على الطرق الممهدة توفيراً للوقود وللاستفادة من سرعة السيارة .
ويتميز نظام الدفع الرباعى بقدرته الرائعة على التعامل مع كافة الأسطح والأجواء ، بداية من رمال والوحل وحتى الطرق الاسفلتية المبتلة ، وكذلك صعود المرتفعات وقطر الأوزان الثقيلة ، وهى مميزات ينفرد بها وسط أنظمة الدفع الأخرى .
إلا أن هذا النظام يعانى من عدة مشكلات ، أهمها السعر المرتفع للسيارات المجهزة لهذا النظام بفضل مكوناته الأكثر تعقيداً والتى تعادل منظومتى دفع مختلفتين ، إضافة إلى صعوبة صيانته وتكلفتها المرتفعة ، وكذلك استهلاكه المرتفع للوقود بفعل الوزن المكتسب من مكونات النظام والذى يزيد من وزن السيارة بشكل ملحوظ مقارنة بأنظمة الدفع الثنائية ، وهو ما يجعل هذا النظام حل عملى مكلف يمكن تجاهل عيوبه فى حالة الحاجة إليه ولا يرشح اختياره فى حالة ندرة استخدامه .
الدفع الكلى ( AWD )
يعتبر نظام الدفع الكلى احد أكثر أنظمة الدفع تشعباً وإثارة للإعجاب فى عالم السيارات ، فهو نظام لا يمكن وصفه بكلمات محددة أو وضعه تحت تصنيف واحد ، فما بين السيارات الرياضية والعائلية والفاخرة ومتعددة المهام يجد هذا النظام مكانه المناسب ليعمل بكفاءة ملبياً كافة الاحتياجات .
ففى السيارات العائلية والفاخرة يوفر هذا النظام تحكم معزز فى السيارة أثناء القيادة الحادة وعلى الأسطح الزلقة ليضيف مزيد من الأمان والتحكم إلى تجربة القيادة ، فهو يعمل على إرسال القوة إلى العجلة الأكثر تماسكاً فى تناغم هندسى رائع مع أنظمة الثبات الالكترونية ، مما يجعله اختيار الكثيرين من سائقى السيارات حول العالم طمعاً فى تلك المميزات خاصة فى بعض المناطق الشهيرة بالأمطار والثلوج والتى يصعب القيادة فيها بدون هذا النظام .
وفى السيارات الرياضية يأتى نظام الدفع الكلى بعقلية محترفة تعمل على إرسال القدر الكافى من القوة إلى العجلات الخلفية كى يحظى السائق بمتعة تراقص مؤخرة السيارة ، إضافة إلى تعزيز السيارة فى المنعطفات وعلى السرعات المرتفعة لتحسين قدراتها وتماسكها على الطريق مما يمنح تلك السيارات تفوقاً واضح على المنافسين ، وإضافة إلى ذلك يعتبر هذا النظام هو الأفضل فى عملية التسارع من الثبات فى السيارات المزودة بمحركات قوية مما يجعله بعدما وصل إليه من تطور كبير الخيار الأول لمحبى السيارات الرياضية .
وأخيرا فى السيارات المتعددة المهام ، حيث السائقين محبى التحكم الالكترونى والذين لا يشغلون بالاً لكيفية التعامل مع أنظمة الدفع الرباعى ويفضلون نظام أوتوماتيكى يتحكم فى كل شئ ، وهو ما يوفره نظام الدفع الكلى الذى يعمل على إرسال القوة إلى العجلات المناسبة مساعدتك فى الوصول إلى غايتك دون أن يشغل بالك باتخاذ أيه قرارات .
وتظل عيوب منظومة الدفع الكلى متماثلة مع عيوب منظومة الدفع الرباعى من حيث تكلفة الشراء والتشغيل وزيادة وزن السيارة ورفع معدلات استهلاك الوقود .
وبهذا الجزء نكون قد انتهينا من أنظمة الدفع ، متمنين من الله أن نكون قد وفقنا فى استعراضها بوضوح وان نكون قد افدنا قراءنا الأعزاء بقدر ما استمتعنا بتقديم تلك الموضوعات ، مع وعد أن شاء الله باستكمال سلسلة تعرف على سيارتك للتعرف على المزيد من المكونات التى نتعامل معها يومياً فى السيارات .
المصدر: http://bit.ly/sn2xZn
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق